Wednesday, April 27, 2011

د/ عدلى حسنين - التحدى المتمثل فى إقامة الديمقراطية فى مصر


التحدى المتمثل فى إقامة الديمقراطية فى مصر
محادثة مع إبنتى ، بنت الثورة

الدكتور عدلى محمد حسنين
الخبير الدولى فى الديمقراطية والحكم الرشيد
والمستشار الإقليمى فى برامج التنمية المستدامة 
     
تعكس هذه الورقة إهتمامى الشديد من أجل إقامة حكم جديد فى مصر اَمن ومفتوح لمختلف المجموعات الدينية والعرقية والثقافية الموجودة فى هذا الوطن. وهو يعكس أيضاً حواراً بسيطاً كان  لى مع إبنتى منذ بضعة اسابيع ، عندما سألتنى السؤال التالى:

أبى العزيز: بعض أصدقائى يعتقدون أن حسنى مبارك قائد عظيم وإنه لشىء سىء أن يطاح به. والبعض الاَخر من أصدقائى أخبرنى بأنه كان زعيماً سيئاً للغاية وينبغى على الشعب المصرى بكامله أن يكون ممتناً لذهابه. ما رأيك يا أبى:

ويبدو لى أن سؤال إبنتى رغم بساطته فهو ، مما يثير الدهشة ، عميق ومعقد. وهكذا كانت ورقتى هذه من أجل مساعدة إبنة السابعة عشر من العمر على الحصول على إجابة سهلة وواضحة لسؤالها.

لقد كنت مواطناً عالمياً ، وخبيراً دولياً فى التنمية المستدامة لما يزيد عن ثلاثين عاماً ، وملما بتاريخ الشرق الأوسط وحضارته ، ولذلك فإنه يبدو لى أن دروس التاريخ بها من الكثير لإخبارنا عن أى نوع من الحكومات ينبغى أن تحكم مصر فى المستقبل. ولذلك فقد بدأت حوارى مع إبنتى بتقديم قائمة بالصفات التى لابد من توافرها فى القائد الزعيم الذى ينبغى أن يحكم مصر بعد ثورة 25 يناير العظيمة ، ثم تطرقت للصفات التى تجعل من القائد زعيما سيئاً ولا يصلح لحكم أم الدنيا وقلعة الحضارات.

أولاً صفات الرئيس الجيد:

1-    أن يقبل بالقواعد الأساسية التى بنيت عليها تعاليم الإسلام وهى أن كل مواطن من نساء ورجال متساوين فى الحقوق والواجبات وأنهم خلقوا أحراراً بأمر الله ولا يحق لغيره ان يستعبدهم. هذا المفهوم العميق للمساواة والحرية بين البشر كان ومازال مفهوما ثورياً تم تقديمه للبشرية على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث أوضح أنه حسب مفهوم العناية الإلهية لا يمكن محاسبة وتقييم أعمال البشر أيا كان لون بشرتهم أو أصل عرقهم أو نوع لغتهم إلا على أساس واحد وهو أنهم سواسية عند الله.

والرئيس الجيد هو من يقبل هذه الفكرة كقاعدة أساسية لنظام حكمه ويسعى لضمان معاملة الجميع فى وطنه بالعدل والمساواة ويتسامح مع من يخالفونه فى الرأى ويعترضون على سياساته. وسوف يعمل جاهداً على حماية حقوق الأقليات سواء الدينية أو العرقية أو الإجتماعية وتوفير الحماية لهم من الظلم أو المعاملة غير العادلة.

2-    الرئيس الجيد هو من يبدى الاهتمام البالغ للمشاكل التى تواجه مجتمعه كالفقر والأمية والمرض والخروج على القانون ويعمل دائماً على تحقيق أهداف التنمية المستدامة من أجل مجتمع أفضل مثل تحسين نظم التعليم للصغار والكبار على السواء ، وتحسين نظم الرعاية الصحية ، وتعزيز الإقتصاد وضمان أن كل شخص قادراً على العمل أن يحصل على ما يكفى من المال لرعاية أسرته وتعزيز العدالة والمساواة والإنصاف وتوفير فرص النمو والتنمية الشخصية بدنياً وفنياً وثقافياً مع التأكيد على حرية العبادة دون رقابة بوليسية أو محاكمات عسكرية.

3-    أن تكون حياته الشخصية الخاصة فضلا عن حياته العامة والسياسية ساطعة كالشمس تعكس القيم الأساسية للحب والحرية والرحمة والعدالة والإنصاف والشجاعة والصدق والكرم ونبذ فكرة العنف بأنواعه. ويسعى الرئيس دائماً للخضوع لتعاليم الله سبحانه وتعالى عن رضا وقناعة وحتى يقبل المواطنون على الثقة به معتزين بأنه حقاً عادلاً وحكيماً وشريفاً وقائداً وأباً رؤوفاً فى حياته الخاصة والعامة.

4-    الرئيس الجيد يسعى إلى إحاطة نفسه بالألمع والأكثر كفاءة من ذوى الخبرة والرؤية المستقبلية. ويبحث عن الكفاءات القادرة على فهم ما يلزم لحل المشاكل الملحة فى الجتمع وتحقيق أهدافه الهامة. وليس من المهم على أى دين يكون الأكفاء أو إلى أى طائفة عرقية أو سياسية ينتمون. المهم هو قدراتهم وكفاءاتهم وإلتزامهم بقيم النزاهة والإنصاف والعدالة والإتقان فى العمل.

5-    يسعى دائما لنصائح أهل المعرفة والحكمة ويستمع للاَراء والأفكار المختلفة من جميع الفئات وليس فقط من أسرته وأصدقائه وبطانته. لابد أن يكون مستعدا للإستماع للغير وقادراً على التعلم من الاَخرين ومتواضعاَ بما يكفى للإعتراف بأنه لا يعرف كل شىء هذه القدرة على الاستماع للشعب هى من السمات الأساسية للقائد الجيد.

6-    وأخيراً لابد للرئيس القادم أن يكون ملتزما بالعمل فى إطار القواعد التى يفرضها القانون. ويؤكد على عدم معاقبة أو سجن أى مواطن دون مراعاة الإجراءات القانونية من خلال منظومة القضاء الستقل والمحاكم المدنية. وأن تظل الملكية الفردية من أرض ومسكن وأدوات وأثاث وأعمال تجارية وأموال فى حماية القانون ولا يسمح إطلاقاً بمصادرتها أو الحجز عليها من الحكومة أو الحزب السياسى أو أى جهة أو أفراد ذوى نفوذ. وسيكون ملتزماً بالتأكيد على أن يعامل جميع المواطنين بالتساوى وأنه لا فرد أو مجموعة أو هيئة لها الأفضلية أو تتمتع بمعاملة خاصة.


الاَن دعينى يا إبنتى للتحدث عن السمات التى يتمتع بها الرئيس السىء:

1-    أولا يرفض الرئيس السىء مبدأ المساواة المتأصل لجميع الناس ويسعى دائماً إلى إتباع ساسات وإنشاء مؤسسات تعزز إعطاء مزايا خاصة لأسرته وأتباعه والمقربين منه من الاصدقاء. وسيأخذ موارد المجتمع من الفقراء والفئات المحرومة والضعيفة ويقوم بتوزيعها على النخبة القليلة التى تساعده على التمسك بالحكم وتدعم بقاءه فى السلطة. وسيحصل كل أنصاره وأتباعه على المزايا الخاصة بينما تحظى الغالبية العظمى من أفراد المجتمع بالتجاهل والفقر والإضطهاد.

2-    الرئيس السىء يكون أقل إهتماماً بالإحتياجات الحقيقية للوطن ويصرف كل مصادر الدخل القومى لبناء منظومة عسكرية وبوليسية ضخمة لا توجه الى العدو الحقيقى ولكنها توجه إلى معارضى النظام سواء كانوا أفراد أو مؤسسات أو دول مجاورة. وذلك من أجل تمجيد الذات بدلاً من إنفاق هذه الموارد على المدارس والجامعات ومراكز البحث والمستشفيات والمشروعات الموفرة لفرص العمل للأجيال القادمة والإحتياجات الإجتماعية الملحة. والرئيس السىء هو من يسعى دائماً لشراء القنابل والمدافع والدبابات والطائرات وكافة الأدوات الحربية حتى لو كانت على حساب تقدم المجتمع وتلبية طموحات الشباب الذى يعرف جيداً أن القوة فى التقدم العلمى والتكنولوجى وإقامة الدولة المدنية والعصرية.

3-    الرئيس السىء هو من يقدم نفسه للمجتمع والعالم على شاشات التلفزة وعبر موجات الإذاعة وعلى صفحات الصحف القومية والمأجورة بأنه شخص حسن السلوك وقائد جيد يسير على خطى الزعماء الوطنيين ، وسيستخدم الدين كأداة لقيادة الجهلاء والمتعصبين رغم أنه فى حياته الخاصة يكون النفاق وإستخدام العنف والتعذيب والوحشية تجاه معارضيه هى السياسة المعمول بها دائماً ولذلك يتحول الرئيس السىء بالمجتمع إلى التناقض واللامبالاة والشك وخيانة الأمانة والنفاق والسخرية وخيبة الأمل فى المستقبل.

4-    يميل الرئيس السىء إلى إحاطة نفسه بشرزمة من المنتفعين والذين يمتلكون نفس السلوكيات والاخلاقيات ويخضعون تماماً لإرادته. ولذلك يقفز كثير من هؤلاء إلى سلم السلطة ومراكز القوة رغم قلة علمهم وضعف تعليمهم وعدم خبراتهم وغياب نزاهتهم وعدم قدرتهم على تلبية الإحتياجات الحقيقية للشعب بكفاءة وفعالية.

5-    يميل الرئيس السىء إلى تجاهل النصح والمشورة من أهل الخبرة والمعارضين له فى الرأى. ويعتبر نفسه أذكى كثيراً من المحيطين به. وإذا إرتكب خطأ لن يعترف به بل سيلوم الاَخرين على المشاكل القائمة فى المجتمع. ونظراً لحالة حب الذات وعدم الرغبة فى الإستماع للنصائح فإنه يقع فى كثير من الأخطاء ويسبب الكثير من المعاناة للمجتمع ويكون من الواضح تحت حكمه أن حكوماته تصاب بالشلل وعدم القدرة على مواجهة التحديات الحقيقية للوطن.

6-    وأخيراً فإن الرئيس السىء يميل إلى القيام بكل ما يلزم للبقاء فى السلطة وتجاهل مقتضيات القانون كلما إقتضى الأمر ذلك. ونتيجة لحبه وولعه للسلطة فهو دائماً على إستعداد لإستخدام كافة أساليب التعذيب الوحشى والزج فى السجون وحتى القتل لكل من يقف فى طريقه.

وبعد أن بينت التضاد الواضح بين الخصائص الرئيس الجيد والرئيس السىء قالت لى إبنتى " من الواضح الاَن أن معظم الناس سيختارون الرئيس الجديد لبلدهم ، ولكن يا والدى كيف يتحقق الوطن من أن القيادات الصالحة فقط هى التى ستصل إلى كرسى الرئاسة ؟؟

وبعد أن فكرت للحظة قصيرة قلت لها: رغم أن هناك أمثلة كثيرة لأنظمة الحكم فى العالم إلا أنه يوجد أساساً ثلاث سبل يمكن لأى شخص أن يصبح عن طريقها زعيماً ساسياً:

1-    الإختيار بالميلاد: وذلك هو الحال فى الأنظمة  الملكية وبعض الأنظمة الدكتاتورية حيث يتم توريث الحكم بالميلاد فقط.

2-    الإختيار بالقوة: وهذه طريقة شائعة جداً ويتم من خلالها فرض أى شخص نفسه على حكم البلاد نتيجة الحصوله على مساندة عسكرية أو نفوذ سياسى كبير من خلال مؤسسات متواطئة.

3-    الإختيار بالإنتخابات الحرة وهذا لا يوجد عادة إلا فى النظم الديمقراطية والتى يتم من خلالها إحترام حرية المواطن فى الإدلاء برأيه ومحاورة المرشحين والكشف عن كل حياتهم بما يتيح للمجتمع إختيار أفضل المرشحين للقيادة عن طريق المنافسة الشريفة والموضوعية ومن أجل الصالح العام. وأخيراً أوضحت لإبنتى بنت ثورة 25 يناير أنه علينا أن نتذكر أنه يمكن ظهور رؤساء جيدين ورؤساء سيئين من خلال هذه الأنظمة الثلاثة فقد يكون هناك ملوك ودكتاتوريات جيدة وأخرى سيئة. وقد ينتخب رئيس جيد أو سىء ولكنه من الواضح كما يوضح لنا التاريخ أنه من الأرجح دائماً أن الزعماء العظام كانوا دائماً نتاج الإنتخابات أو الإختيار الحر.

عندما يصبح شخص ما حاكماً أو دكتاتوراً ويثبت أنه غير كفء وغير عادل فلا توجد طريقة سهلة للتخلص منه. سيعانى الشغب حتى موت هذا الزعيم أو خلعه بالقوة عن طريق دم الشهداء. أما إذا أجبر الرئيس المنتخب على خوض الإنتخابات كل بضع سنوات فإن ذلك يتيح للشعب فرصة للحكم على صلاحيته وقدراته ونقاط ضعفه ومقارنته بالمرشحين الجدد وبذلك يعطى الفرصة لإعادة إنتخابه أو الإطاحة به سلمياً من خلال صناديق الإقتراع. ويظهر لنا التاريخ العالمى بصورة قاطعة أن القيادة الجيدة لا يمكن لها أن تظهر وتترعرع بعيداً عن إرادة الشعوب.

وهذه يا إبنتى هى الميزة الأساسية للمجتمع الحر الديمقراطى الذى لابد من إرساء قواعده وبناؤه على أسس سليمة حتى يخلوا دائماً من القيادات السيئة ويصبح مجتمع أساسه الحرية وإحترام حقوق الإنسان والتنمية من أجل المستقبل والحكم بالقانون وتوفير كل سبل النجاح للأجيال القادمة حتى تنمو القيادة الستقبلية بعيدة عن الخوف والإنطواء تحرسها العناية الإلهية وتحميها مؤسسات الدولة الحديثة والمدنية.

شكراً لك يا أبى - بارك الله فيكى يا إبنتى وفى شباب الثورة وبارك الله فى مصر إلى أن تقوم الساعة.
  

No comments:

Post a Comment